الانتفاضة التي تخشى الانتصار
الانتفاضة الشعبية في لبنان هي الآن موضوع التنمر اليومي، والمفارقة ان من يقوم بالتنمر ليس سوى مجموعات الانتفاضة نفسها.
يحصل ذلك بسبب وصول المنطق العبثي (المقصود طبعا) إلى نهايته حيث باتت جدواه على المحك.
والمشهد سوريالي بكل تفاصيله :
"اللا قيادة" للانتفاضة تتصرف كمحاكم التفتيش؛ ترسل "المطاوعين" للمرابطة أمام منزل الرئيس المكلف لتراقب من يزوره وتضع الحرم عليه.
"اللا قيادة" ،نفسها، توافقت على معايير ومواصفات الرئيس المطلوب للحكومة (نتذكر جميعا رفض طرح اسماء تمثل الانتفاضة لموقع رئيس الحكومة) وصرعتنا بالتكنوقراط والنعوت المرافقة. لكنها قررت أن" هذا" التكنوقراط أتى بطريقة غير مقبولة!!!
"اللاقيادة" ،نفسها، التي كانت تصرخ مطالبة رئيس الجمهورية بإجراء استشارات نيابية ملزمة لتكليف رئيس جديد، وتظاهرت بعيدا عن قصر بعبدا لهذه الغاية، لم تعجبها نتيجة الاستشارات، فقررت ان الطريقة غير مقبولة!!!!
"اللاقيادة "،نفسها، كانت تستعد (معظمها) للاحتفاء باختيار نواف سلام لو تم اختياره بنفس الطريقة التي تحتج عليها اليوم وهي بالمناسبة الطريقة الدستورية الوحيدة.
"اللاقيادة" التي تدرك ان مشروعها تلقى ضربة قاسية، لأسباب عديدة نعالجها في موضع آخر، تنكب الآن على محاولة تقليل خسائرها من خلال إحباط مساعي تتويج اختيار حسان دياب بالتوصل الى تشكيلة حكومية تلاقي تطلعات الانتفاضة (الشعبية /الحقيقية) وتتوفر فيها فرص النجاح.
وخطة هذه" اللاقيادة" واضحة بسماجتها ووضاعتها :محاولة منع اي مشاركة لقوى الانتفاضة في استشارات التأليف كما في الحكومة نفسها، وذلك تمهيدا للقول في المرحلة المقبلة ان الحكومة ليست سوى استمرار لسابقتها.
أما عدة الشغل فمفهومة ومعلوكة وسبق ان شاهدناها في حلقات سابقة من مسلسل" الثورات الملونة" :التخوين – التنمر – الترهيب الفكري والنفسي – الشيطنة وحملات السوشيال ميديا التي تدار عن بعد الخ.
"اللاقيادة" هذه ،المعروفة حسبا ونسبا، تستفيد من "سحر الليبرالية الخفي" إلى الحد الأقصى وتتلاعب بمفرداته وتستخدم بشكل استنسابي فاضح ما تريد من معجمَ الثورات، للتأثير في قرارات الآخرين من قوى سياسية(يسارية خصوصا) ومجموعات منتفضة وذلك بغية ردعهم عن التفاعل ايجابا مع انجاز تحقق ومنع تثبيته للبناء عليه لاحقا.
"اللاقيادة "هذه، تلعب الان لعبة رجال الدين :"السعادة في السماء فانسوا الدنيا لأنها فانية "؛ عليكم ان تفكروا في استمرار الثورة ولا تنغشوا بما حصل ولا تصدقوا ان الرئيس دياب كان خيارا اضطراريا بسبب الانتفاضة والتشققات التي حصلت في بنية منظومة الفساد السلطوية ؛هذا كله مسرحية من ٨و١٤ لإحتواء الثورة!!!!!!!
انها ايام البلاهة الثورية التي تعممها" اللاقيادة" إياها؛ ممنوع ان يصدق المناضلون الشرفاء انهم حققوا إنجازا بسبب تضحياتهم وصمودهم. لعبة هوليوودية من النوع الرديء:تنظر إلى العدو في معركة وقد أخلى احد مواقعه بسبب قصفك ونيرانك… تراه يتراجع فتتحفز للتقدم واحتلال الموقع فيشدك من الخلف إثنان، خائن وخائف. كلاهما يقولان نفس الفكرة العبقرية، مع إيماءة رأس توحي بالفهم طبعا، "انها خدعة، لا تتقدموا!".
"اللاقيادة" تدرك وظيفتها وتدرك انها خسرت هذه الجولة لكن مصلحتها تقتضي الاستمرار (في التمويل – في التحريك – في الدفع نحو اتجاهات معينة الخ) ولذلك لا يناسبها الإقرار بإنجاز يبنى عليه ويشكل محطة في المسار الثوري العام.
لكن ما شأن القوى" الربادية " المناضلة والجدية في هذه اللعبة؟ الا تدرك مسؤوليتها الخاصة في إدارة الصراع السياسي والاجتماعي بترابطه مع المسألة الوطنية؟ الا تدرك ان تقاطع الراديكال والليبرال هو تقاطع مرحلي بسبب اختلاف الأهداف النهائية؟
ثمة "فوبيا" تخيم فوق رؤوس الجميع :فوبيا حراكات ال٢٠١٥ وظهور الدور القوي للميديا والسوشيال ميديا الذي خلق شخصيات مأسورة،وزرع في رؤوس أصحابها "أشارات سير ضوئية" باتت هي من تحركهم، في اوقات كثيرة.
ثمة قوى ومجموعات وشخصيات لم تدرك بالقدر الكافي اننا في مرحلة مختلفة نوعبا عن مرحلة ال٢٠١٥؛ومن يدرك ذلك ،منهم، لا يتعامل مع الأوضاع على هذا الأساس.وهؤلاء سوف يبقون عاجزين عن التصرف الثوري السليم ما لم يفك أسرهم وينزعوا من رؤوسهم "الشريحة" الخفية التي زرعت منذ سنوات، ليروا الواقع من منظار مختلف يعتمد على منهجية التحليل العلمي وليس على "فلاشات" مجموعات الغرافيكس.
بهذا المعنى فإن التحدي الحقيقي الذي تواجهه الانتفاضة في لحظة ما بعد تكليف حسان دياب، هو قدرة القوى الربادية على انتاج ممارسة مستقلة عن تأثير "اللاقيادة" ،من شأنها إحداث تغيير نوعي في مسار التطورات يتمثل في فرض مشاركة الانتفاضة في صناعة مصير البلد وهي التي كشفت، اصلا، عن اهتزاز الشرعية الشعبية للمجلس النيابي المنتخب ٠
فهل نشهد مثل هذه الممارسة المستقلة والشجاعة والواثقة بخياراتها ؟لو حصل ذلك فإن الكثير من الأمور سوف تتغير، فمن المعلوم انه لا يمكن لأي انتفاضة ان تنتصر اذا كان التردد سيد قرارها وَ كانت هي محكومة بغياب الثقة بقدرتها.
ولمن لا يزال أسير التردد، ما عليه إلا إكمال الفيلم الهوليوودي نفسه : أرسل الخائف لكي يستطلع الموقع وخلوه من الألغام وحالة تحصيناته، ثم اجعل من الخائن درعك…. وتقدم.