رأي

أكبر من انتخاب رئيس .. أزمة هوية ونظام ( محمد عبد الله فضل الله) 

 

بقلم محمد عبد الله فضل الله – الحوار نيوز،،

من يطالع التاريخ بتجرد يجد أن الجذور التاريخية المجملة التي قام بها المستعمر الأجنبي في لبنان عبر نظام الامتيازات الأجنبية وما تركه من جرح نازف قد غذاه ألعبان السياسة الطائفية والمذهبية التي امتهن أزلامها العزف على هذا الوتر لحفظ اميتازات مزراعهم الطائفية .

فقد توزعت مناصب الدولة العليا (الرئاسات الثلاث) بين سنة وشيعة وموارنه، ولا يزال البلد محكوماً  بهذه الصيغة الثلاثية، التي تمنع كل فرصة لقيامة دولة بالمعنى الحديث، إذ نشهد على دويلات تنظم خلافاتها على حساب وجود دولة مركزية تستند إلى نظام حديث ،من استفتاء على الرئيس إلى انتخابات بدائرة واحدة، وقبل هذا وذاك إلى نفوس سوية تضع على الأقل كتاب تربية وتاريخ لهوية لا تزال تبحث لها عن موطىء قدم في القرن الواحد والعشرين.

لم يكن الأمر مرسوماً له مع نهاية الحرب العالمية الأولى لكن من قبل ذلك بكثير عندما شعرت القوى المحلية الطائفية من سنية ومارونية بأن شيئا ما يجري للمنطقة مع نهاية الدولة العثمانية لذا كان لا بد من التمركز والمحافظة على النفوذ في تقسيمات المنطقة مع بداية الانتداب الفرنسي، وللأسف تم تجميل كل هذه المصالح والنفوذ لاحقاً تحت مسمى الوطن الكبير الذي لا يزال كثير من أبنائه يشعرون وكأنهم رعايا جراء الطائفية البغيضة التي تجذرت في النفوس قبل النصوص .

تعلو المعايير الطائفية فوق معيار الخبرة ومعيار الكفاءة، احتراماً للتقسيم الطائفي الذي يطيح بالكفاءات ويهجّر الخبرات، والسؤال الكبير هل لا يزال هذا النظام السياسي صالحاً للحياة ؟

 قد يظن البعض أنه حديث خطر في لحظة حرجة إذا أشرنا إلى اتفاق الطائف الذي نظّم الحصص والخلافات، ولكن الواقع فعلا هو أزمة نظام لم يعد منسجماً مع الواقع، وقد اسُتهلك واستنفذ ، ولا تزال الترقيعات المحلية والإقليمية جارية لإبقائه حياً على حساب المواطنة والوطن والمواطن ، وإبقاء الزعامات العائلية وتثبيت تركيبتها  في محلها وتكريس غنائمها على حساب استقرار البلد وتحديث نظامه . 

والحذر كل الحذر من العودة الى سيطرة الكانتونات عملياً اليوم في ظل الأزمات القائمة ،وجعلها واقعاً يملأ الفراغ في ظل استعار الخطاب الطائفي وتدخلات الدول بكل أجنداتها وأجهزتها.

سمعنا كثيراً بسن الرشد السياسي في فترة من فترات الأزمة اللبنانية، وكأنه قدر مكتوب أن يبقى حفنة من الفاسدين يتنفسون خلافاتهم وحساباتهم، ويكونون أبواقاً ومنفذين لأجندات خارجية يجعلون البلد والشعب يدفعان ثمناً باهظاً لهذا المتنفس المشحون، فيعطلون مؤسسات الدولة ويجوعون الناس ولا يترددون في أن يبقوا البلد مفتوحاً كرئة تتنفس صراعات المنطقة وحساباتها.

اليوم بعدما استنفذت كل القوى ما لديها في مقاربات الملفات من رئاسية وغيرها ، هل تلزمها القوى الإقليمية والدولية بتسوية تبقي النار تحت الرماد منعاً للانفجار الكبير وليس حباً بالبلد وأهله؟

إن المشكلة أكبر من انتخاب رئيس.  إنها مشكلة تشكيل حكومة مع رؤية مستقبلية تواجه الأزمات المفتعلة وتفتح خطاً مع البنك الدولي الذي له دفتر شروطه الخاص. 

إن القضية الأساسية تظل هي في تركيبة النظام وهل فعلا الأحزاب جميعا بلا استثناء تريد دولة عصرية حديثة ؟

إلى الآن  لا يبدو كذلك، فالجميع مرتاح على وضعه الحزبي ومكتساباته من هنا وهناك ،وآخر شيء يفكر به دولة عصرية . إنه الخوف من قيام هذه الدولة، الخوف من مواجهة الأنانيات والتخلي عن الأهواء والأطماع . إنه الخوف من الوعي ومن التنفس في الفضاء الطلق ، فالظلام قد أدمنه كثيرون في بلد النور ..    

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى