ثقافة

إمتحانات رسمية طبقية على حساب الفقراء(فيصل زيود)

د. فيصل زيود – الحوارنيوز خاص

بعد تزايد حالات المتحوّر الهندي (دلتا)، على المستوى الصحي، الذي يتطلب إجراءات وقائية مشدّدة  خوفا من إعادة تفشي وباء كورونا لدى التلامذة في المدارس والطلاب في الجامعات، وبعد إخفاق التعليم عن بُعد لعدم توافر الأجهزة من كومبيوتر وتلفونات خاصة لدى عدد كبير من التلامذة، وبعد العودة الشكلية للتعليم المُدمج  وعدم قدرة الكثير منهم على الحضور إلى المدرسة لعدم توفر وقود، ولضعف البنية التحتية من كهرباء وإنترنت وانقطاعهما شبه المستمر وكلفتهما الغالية في حال وجودهما وخصوصا على التلامذة الفقراء، وبسبب التقنين القاسي في التيار الكهربائي، لم يتمكن الكثيرون من اتمام دروسهم حتى ولو على ضوء الشموع لعدم قدرتهم على شرائها، كل هذا جعل التعليم يفتقر للعدالة الاجتماعية ولم يحقق الغاية المرجوّة منه.

وبالرغم من كل ذلك، وبرغم المطالبة من معلمين وتلامذة وأهالي التلامذة بإلغاء الامتحانات الرسمية لهذا العام، ما زال وزير التربية الدكتور طارق المجذوب يستند في اصراره على السير في امتحانات الثانوية العامة على دعم “العائلة التربوية” كما يسميها، ضاربا عرض الحائط عدم الجاهزية التعليمية والنفسية لنسبة مرتفعة من التلامذة، ومع علمه المسبق بأن هذه الامتحانات ستكون غير عادلة وصورية لأنها تفتقد الى الصدقية والشمولية، ما ينعكس على التقييم الذي سيكون مقتصرا على حوالي ربع المنهج التعليمي، وما ينتج عن ذلك من عدم تحقق الكفايات التعليمية لدى الغالبية منهم.

استنادا الى الاضاءة السريعة على الوضع التربوي الحالي وعلى الاوضاع الاقتصادية والصحية السيئة، فإن المشاركة في الامتحانات الرسمية بأي شكل كانت،( مراقبة ام وضع أسئلة ام تصحيح)؛ ستكون على حساب التلاميذ الفقراء الذين لم يتسن لهم متابعة هذا العام الدراسي المشؤوم كما يجب، لافتقادهم الوسائل غير الموجودة لديهم من أجهزة  ضرورية لمتابعة التعلم عن بُعد، بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء والانترنت والضغط الكبيرعلى الاهل والتلامذة من جرّاء الأزمة المعيشية الحادة وفقدان الدواء والمحروقات وحتى الاكل للبعض لعدم قدرتهم المادية.

استنادا الى التحديات الاقتصادية والنفسية والتربوية، نتساءل ضمنا، هل الوزير يدرك الوضع المعيشي الضاغط على غالبية الشعب اللبناني، وانعكاس ذلك على نفسية الطالب وتحصيله العلمي؟

وهل يعلم أن معظم الأساتذة بسبب هزالة البدل المالي وبسبب الوضع الصحي والاقتصادي وعدم توفر الوقود لا يريدون المشاركة في أعمال الامتحانات؟

         أخيرا نود ان نحذر بأن إجراء الامتحانات الرسمية هذا العام سيضرب مستوى الشهادة الرسمية وسيكرّس عدم التكافؤ بين التلامذة ويضرب مفهوم العدالة الاجتماعية، وان هذا الاصرار على الامتحانات يجعلنا نعتقد أن وزير التربية لا يرى معاناة الناس وكأنه يعيش خارج الأزمة أو “خارج لبنان”، وما زال يتذرع بحجة الحفاظ على مستوى الشهادة التي لن تكون الا ورقة بدون قيمة فعلية لافتقار التقييم على ربع المنهاج إضافة لعدم امتلاك الطلاب للكفايات الضرورية.

خطأ مميت يرتكبه وزير التربية تحت عنوان ” المحافظة على جودة الشهادة الرسمية” ،فيما هي تنهي مستقبل غالبية التلامذة في الشهادة الثانوية بدم بارد، من دون أن تعني له مصلحة الطلاب والمساواة فيما بينهم شيئاً.

*كاتب وباحث في الشؤون التربوية والنقابية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى