سياسةصحفمحليات لبنانية

مالي وبوركينا فاسو تساندان النيجر: «محور مقاومة» يَطلع من أفريقيا

 

الحوارنيوز – صحافة

 

تحت هذا العنوان كتب محمد عبد الكريم أحمد في الأخبار يقول:

 

 

 

اتّخذت تطوّرات الانقلاب الأخير في النيجر طابعاً أيديولوجياً صريحاً، يستعيد زخم التحرّر الوطني الأفريقي في مواجهة ديناميات الاستعمار الجديد في ستينيات القرن الماضي على وجه الخصوص، وإن كان يخفي خلفه تغيّراً أساسياً في بنية علاقات الدول الغربية وآليات تنسيق أدوارها في أفريقيا. كذلك، تجلّي تلك التطوّرات عجز القوى الاستعمارية السابقة عن توقّع التغيّرات الراهنة في الكثير من دول القارة، في ظلّ تركيزها المفرط على «التغلغل الروسي»، وإغفالها المخاطر العديدة التي تهدّد وجود هذه الدول واستقرارها جرّاء الاستغلال المنهجي لمواردها، المُغطَّى بحضور أميركي متزايد، والمسهَّل عبر نظم حكم محلّية قامت في جوهرها على أساس خدمة مصالح القوى المُشار إليها.

النيجر وصعود «محور مقاومة» أفريقي
بدا من الضربات الخاطفة المتبادلة بين قادة الانقلاب في النيجر والفاعلين الإقليميين والدوليين، أن ثمّة «محور مقاومة» جديداً آخذاً في الظهور، ولاسيما مع إعلان كلّ من مالي وبوركينا فاسو المجاورتين للنيجر (31 تموز) دعمهما الكامل لسيادة الأخيرة واستقلالها، وتأكيدهما أن أيّ تدخّل خارجي (إقليمي أو دولي) بهدف إعادة الرئيس المعزول، محمد بازوم، سيعني إعلان حالة الحرب ضدّهما، ما سيرشح عنه تمدّد خطوط المواجهات في مجمل إقليم الساحل، وهو ما حذّر منه البيان المشترك لباماكو وواجادوجو. واتّضحت بوادر الانقسام الكبير في إقليم الساحل عقب القمّة الطارئة لـ«الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا» (إيكواس) (30 تموز)، والتي طالبت بعودة بازوم «في غضون أسبوع»، تحت طائلة اتّخاذ «جميع الإجراءات»، بما فيها القوة، لاستعادة النظام الدستوري، معلِنةً سلسلة إجراءات باتت تقليدية، على رأسها فرض عقوبات مالية على قادة الانقلاب والنيجر، وتجميد «جميع المبادلات التجارية والمالية» بين دول الجماعة ونيامي. وعُدّت هذه المخرجات بالغة التطرّف، ومؤشّراً إلى تخوّف حقيقي من انفلات الأمور في مزيد من دول غرب أفريقيا، والتي تعاني أغلبها الظروف الاقتصادية والسياسية والأمنية المضطربة نفسها التي قادت إلى انقلاب النيجر (ومِن قَبله مالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري).

تراجعت لهجة واشنطن بعد نحو أسبوع من الانقلاب في النيجر

وفي المقابل، فإن خطوات «المجلس العسكري الانتقالي» في نيامي، وأبرزها وقف صادرات البلاد من اليورانيوم إلى فرنسا، ودفع القوات الأميركية التي تنتشر في النيجر (حوالي ألف جندي أميركي) إلى التمركز داخل قاعدة بلادها الرئيسة في شمالي النيجر، والبدء بسلسلة إصلاحات مهمّة في سياسات التعدين، وإعادة ضبط أولويات الإنفاق الحكومي، كشفت عن تفهّم قادة المجلس لطبيعة المتغيّرات الحادّة التي شهدها المجتمع النيجري، وضاعفت منها طبيعة الاستغلال والنهب الفرنسي والأجنبي بشكل عام لموارد البلاد الاقتصادية. ومن المتوقّع أيضاً أن يسرّع المجلس خطواته في ملفّ مواجهة الإرهاب، ويعمّق تنسيقه مع مالي وبوركينا فاسو، ويسعى لتعزيز استفادته من هامش حركة روسيا والصين في الإقليم على المدى القريب.
أمّا تكليف «إيكواس»، محمد إدريس ديبي، رئيس المجلس الانتقالي في تشاد، والذي يتولّى إدارة البلاد منذ وفاة والده (نيسان 2021) من دون تفويض دستوري شرعي أو حتى مسار ديموقراطي مرتقب، بالوساطة بين الجماعة والنيجر، فكشف عن وجود خطّ مواجهة حقيقي بين «محور مقاوم» لاستمرار الأوضاع القائمة في الإقليم منذ سنوات وعمادها تهميش التنمية الوطنية الشاملة لصالح أولويات الأمن الغربية، وآخر يسعى لمنع كسب الأول ساحات جديدة، وتأتي في مقدّمته تشاد بطبيعة الحال، كمركز أخير للنفوذ الفرنسي الكبير والمباشر في القارة، والذي كان مبرّراً مباشراً لعدم اكتراث إنجامينا بالانضمام إلى «إيكواس». وإذ تدفع هذه الأوضاع البعض إلى استحضار فترة الرئيس البوركيني الشاب، توماس سانكارا (1983-1987)، الذي اغتيل لمنع مشروعه التنموي في البلاد، فإن تاريخ التجارب السابقة، وتوافر سياق كلاسيكي لتنسيق غربي – إقليمي لمجابهة أيّ حالات تمرّد، يفرضان ضرورة عدم المبالغة في توقّع نجاح التغييرات الراهنة.

واشنطن و«السيناريو الليبي» في النيجر؟
تراجعت لهجة واشنطن بعد نحو أسبوع من الانقلاب في النيجر، من إبداء الاستعداد لاستعادة «النظام الدستوري»، إلى تعليقات متفرّقة لمسؤولين في الخارجية الأميركية (31 تموز) تُضيّق فرص العودة عن الانقلاب، وتَعتبر أن الأسبوع الأوّل من آب سيكون هو الفيصل في حظوظ هذا السيناريو من عدمه. واكتفت واشنطن وباريس، في واقع الأمر، بإعلان اصطفافهما خلف مقرّرات قمّة «إيكواس»، على رغم تشكيكهما في إمكانية نجاح الضغوط الإقليمية في إعادة بازوم. كما يشي إعلان الخارجية الفرنسية بدء إجلاء رعاياها ومواطني الاتحاد الأوروبي من النيجر بسبب «أحداث العنف الأخيرة في محيط السفارة الفرنسية في نيامي»، إدراك باريس تصاعد الرفض الشعبي الواضح لوجودها المتعدّد الأشكال هناك، واعتقادها بأن أيّ تدخّل خارجي (إقليمي أو دولي أو مختلط) لإعادة بازوم إلى السلطة لن يحقّق أدنى قدر من الاستقرار، بل يرجَّح معه تفاقم أزمة ذات تداعيات أمنية وإنسانية خطيرة في دولة تشترك في حدودها مع سبع دول جوار، بعضها – مثل ليبيا – يشهد أزمات مستمرّة منذ عقد أو أكثر.
وبغضّ النظر عن التراجع الأميركي – الفرنسي في القدرة على ضبط التغيّرات في إقليم الساحل، كما في حالة النيجر الراهنة، فإن احتمالات دفع الأزمة نحو سيناريو ليبي تظلّ قائمة بقوة، في ضوء العديد من الاعتبارات، وأهمّها وجود حاضنة إقليمية (إيكواس) على أهبّة الاستعداد للقيام بتدخّل عسكري أو تيسيره بغضّ النظر عن خطورة تداعياته على مجمل الإقليم، وترقب تعاظم النفوذ الروسي في النيجر بعد تحقيقه اختراقات هامّة في مالي وبوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى، وكذلك تهديد سياسات السلطات الجديدة في نيامي للمصالح التعدينية الهامّة لاسيما في معدن اليورانيوم (وتوقّع وقف تصديره إلى دول أخرى إضافة إلى فرنسا). لكن، يظلّ الدفع بهذا السيناريو محكوماً بقدرة دول غربية أخرى (غير فرنسا) على المساهمة في أعبائه، وهي فرص ضئيلة في ضوء تعقيدات الأزمة الروسية – الأوكرانية التي تظلّ مؤثّرة في قوة واقتصاد دولة مثل ألمانيا (التي تملك جنوداً وقواعد لوجيستية في النيجر)، وربّما عجز «إيكواس» عن صياغة سياسة موحّدة وقابلة للتنفيذ بالفعل، مع خروج ثلاث دول من المنظمة بالفعل على خلفية أزمات «دستورية».
غير أن العامل الأهمّ في حسم قبول الواقع الجديد في النيجر من عدمه، يظلّ في موقف الإدارة الأميركية، التي لم ترِد، حتى مطلع آب، إلّا مؤشّرات ضئيلة إلى وجود قنوات اتّصال عسكرية بينها وبين قادة الانقلاب، شملت محادثات رفيعة المستوى أجراها الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة (27 تموز)، مع أولئك القادة «لمناقشة سلامة المواطنين الأميركيين والوضع المتطور في البلاد». وتفيد هذه المؤشّرات بجنوح واشنطن إلى التعامل مع ما جرى في نيامي كأمر واقع، وتفادي مزيد من الخسائر المُترتّبة عليه، وضمان واشنطن مصالحها الاقتصادية والأمنية على الأقلّ على المدى القريب، والحيلولة دون ارتماء النيجر في «المحور الروسي» في أفريقيا.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى